مراسي

يوسف بن علي البلوشي يكتب: شركة “بيئة” والتوعية خارج الاختصاص

يوسف علي البلوشي

شاهدنا في فترات سابقة عددا من الحملات التوعوية الغريبة التي تقوم بها كثير من المؤسسات، هدفها التغطية على مستوى خدماتها وعدم وصولها لمعايير الجودة الخدمية العالية، حيث تقوم باتباع عدد من الإجراءات لصرف انتباه المجتمع عن أي خلل في دورها.
من أمثلة ما تقوم به هذه الشركات، أن يتم تدشين الحملات الدعائية ونشر مقاطع مرئية ممنتجة لا تمت لأعمال الشركة واختصاصاتها بأي صلة، بل وتتضارب مع غيرها من الجهات في الاختصاص، وهذا الأمر يجب أن تعيه الشركات الخدمية في السلطنة وألا تتداخل أدوارها ونتاجها التوعوي مع مؤسسات حكومية أخرى.


في فترة سابقة شاهدنا كيف أن الإنتاج المرئي المتمثل في فيلم “وصلت حبوه خولة” هو إنتاج بقصد التوعية، أنتجته شركة “بيئة” في شهر رمضان المبارك الماضي، تضمن التركيز على ترشيد الاستهلاك وكأنها قضية الشركة الأساسية، مع أن هناك جوانب أخرى تكمن في دورها مثل الإجراءات المتبعة في التخلص من النفايات، حيث نشاهد يوميا صناديق القمامة التي تفيض عن آخرها وكميات أخرى مبعثرة في الطرقات، تلهو بها تيارات الهواء كما يحلو لها.


هنا مربط الفرس وهنا ينعقد لواء الاختصاص، حيث يجب على الشركة مراقبة العاملين فيها وأن تضبط حملات التصدي لانتشار القمامة والحفاظ على نقل النفايات في مواعيدها بدلا من تركها تغدو كالجبال خاصة في الإجازات والعطلات.


ويكمن معيار الكفاءة الوحيد المعترف به في جودة العمل الذي تقوم به الشركة في تنظيف أماكن الصناديق من المخلفات، فضلا عن إعادة تدوير النفايات كما ينبغي وفصلها وتصنيفها إلى غير ذلك من أبجديات العمل البيئي.


شركة “بيئة” مضى على تأسيسها 14 عاما، ويريد المجتمع أن يرى تغيرا ملموسا يجعله يشيد بما تقوم به هذه الشركة أو يعقد مقارنة إيجابية لصالحها بينها وبين أجهزة البلديات سابقا.


ومع كل هذا الجهد، فإن فكرة المقطع الذي أنتج عن “حبوه خولة” مثلا يتناقض ويتقاطع مع الكثير من التعليمات التي أصدرتها اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع تأثيرات فيروس كورونا، والتي تدعو إلى التخفيف من الذهاب إلى أماكن التجمعات ومنها مراكز التسوق أو الأماكن المزدحمة، إذ أن فكرة المقطع تقوم على فكرة تقليل الاستهلاك بزيادة عدد مرات تردد المستهلكين على المجمعات التجارية ومحلات الهايبر ماركت على سبيل المثال، في حين أن هذا مخالف للتعليمات التي تصدرها اللجنة العليا، حيث أن شراء احتياجات رمضان المبارك مرة واحدة أفضل من التردد على مراكز التسوق، وذلك لدرء الضرر الأكبر المتمثل في تجنب الإصابة بفيروس كورونا.


كما أن ترشيد الاستهلاك الذي جاء في المقطع المرئي هو سلوك للمستهلك يضبطه وفقا لمساعيه وإمكانياته المالية، حيث أن المقطع صوّر مسألة ترشيد الاستهلاك من المشكلات التي يتعين معالجتها.


إن التوعية بترشيد الاستهلاك ليست مسؤولية شركة “بيئة”، بل تقع المسؤولية ضمن اختصاصات هيئة حماية المستهلك المنصوص عليها في نظام عملها.


ومع ذلك نقول إن طرح مثل هذه الفيديوهات هي خطط طويلة المدى لا تتوافق مع الواقع، وينطبق عليها كما يقال “الكوخ وحمام السباحة”، فقبل أن تبدأ الشركة بالتوعية بترشيد الاستهلاك المفضي إلى زيادة النفايات كما تسوق في المقطع المرئي، عليها أن تلامس الواقع بإجراءات تعكس صورة ناصعة البياض عن إدارة النفايات في كل مراحلها المختلفة، والنزول إلى الشارع لمعرفة حجم المشكلة في المناطق المختلفة، والوقوف على تفاصيل المعترك الذي يخوضه القاطنين مع الحاويات والنفايات وتراكمها.


حاليا يوجد لدى المجتمع الوعي بترشيد الاستهلاك، بعضه تفرضه الأوضاع الاقتصادية للأسرة العمانية التي تتضاعف عليها الأعباء من كل صوب وحدب، وبالتالي فإن التقليل التلقائي للمشتريات بات فرض عين بعد أن كان فرض كفاية، وكما هو معروف عن مجتمعنا الحفاظ على النعمة منذ الأزل، فهو ليس كغيره من المجتمعات المترفة التي يمكن أن ينطبق عليها ما ورد في المقطع المرئي.

ولعل الانتقادات التي طالت المقطع المرئي على وسائل التواصل الاجتماعية، وإظهار الكثير من المغردين صورا من الواقع كدليل على تردي الخدمة، كان ردا شافيا يجب أن تستفيد منه الشركة، حيث طالبوا بتحسين الخدمات وعرضوا صورا لا تسر الناظرين لحاويات القمامة وهي مملوءة أو متناثرة في الأحياء، تنبشها الحيوانات كدليل على تردي هذه الخدمة إلى مستويات مؤسفة ومحزنة.
لقد جاءت أغلب الردود ناقدة لشركة “بيئة”، وللفكرة التي تروج لها وللخدمات الضعيفة التي تقدمها، وكان الحرج الأليم ملاصقا لها ولم تجد في خاصرة اللغة العربية كلمات مناسبة تنقذها من غيابة هذا الجب غير كلمات مستكينة: “سيتم علاج المشكلة وشكرا على تواصلك”.


إن العمل البلدي يجب أن يقترن بالواقع الفعلي ولا يجب أن يدار من المكاتب تحت أجهزة التكييف، ومن ثم إصدار التعليمات عن بعد والمصاحبة للزخرفة الإعلامية للواقع بكل مآسيه.


نرى أن تجدول شركة “بيئة” برامجها الإعلامية بما يتوافق مع حجم المشكلات بين الطرقات والمنازل، ولتترك الباب واسعا وليس مواربا للمجتمع ليتحدث عن أعمالها بدلا من الإسراف في إنتاج المقاطع المرئية المدفوعة.

مقالات مرتبطة