مراسي

مطر بن سالم الريامي يكتب: مواقع التواصل الاجتماعي … بين أمل وألم

مطر بن سالم الريامي

يشهد العالم المعاصر مجموعة من التغيرات المتسارعة في مجال الاتصال وتقنية المعلومات مما جعل العالم قرية كونية تنتقل فيها المعلومات إلى جميع انحاء الكرة الأرضية في أجزاء من الثانية ، ولا شك أن هذه التغيرات لها تأثيرها المباشر على الافراد والمؤسسات المكونة للمجتمعات ، مما دفع بالمجتمعات بقبول هذه المستحدثات والتكيف معها لتحقيق الاستفادة مما تقدمه من مزايا في جميع المجالات ، وبالتالي أصبح يلعب الاعلام عموما والاعلام التكنولوجي خصوصا في عصرنا دورا هاما في صياغة الافراد والمجتمعات ، ذلك انه أصبح أداة التوجيه الأولى التي تراجع أمامها دور الاسرة والمدرسة وأصبحتا في قبضة الاعلام يتحكم فيها توجيها للأدوار ورسما للمسار ، فلقد خطفت شاشات الهاتف معظم الأطفال من آبائهم و أصبحوا متسمرين امام هذه الشاشات لأكثر من ست الى سبع ساعات أحيانا ، وعليه فهي تشجعهم على العزلة الاجتماعية وتزيد في الفجوة الفاصلة بين أفراد الاسرة الواحدة على الرغم من أنهم يعشون في بيت واحد.

لم نكن في يوم من الأيام أكثر انتماءً للعالم مما نحن عليه اليوم فوسائل الاتصال والبث الفضائي والانترنت والعولمة بأدواتها الجبارة كل ذلك ألغى الحدود بين ما كنا نسميه داخل البلاد وخارجها ، فالعولمة تعولم الأفكار والتطلعات والاذواق والمعايير وتعولم أيضا المشكلات وأماط الانحطاط ، كنا في الماضي نربي أولادنا في بيئات مغلقة نسبيا لكننا اليوم نربي وأبواب بيوتنا ونوافذها مشرعة على العالم من أقصاه الى أقصاه ولهذا بالطبع حسناته وسيئاته ، ولكن إذا لم ننتبه ونفهم ما يجري على نحو جيد فقد تطغى السيئات على الحسنات ، وليعلم رب الأسر ان الأمة الفقيرة ليست التي لا تملك الكثير من المال لكنها تلك التي يلتفت أطفالها يمنة ويسرة فلا يرون الا النماذج الباهتة .

لقد كان للعولمة دورًا واضحًا في ظهور شبكات التواصل الاجتماعي ، حيث شهد عقد التسعينات من القرن العشرين تركيزا ملحوظا على موضوع المعرفة وعلاقتها بثورة التكنولوجيا والاتصالات من ناحية وعلاقتها بتنامي المجتمع المعلوماتي من ناحية أخرى وقد جاء ذلك مصاحبا للوعي الكامل بالأهمية الوظيفية للمعرفة والناتج بدوره عن تغلغل تقنيات المعلومات والاتصالات في بنية الحياة الاجتماعية وتحكمها بشكل عضوي في شبكة العلاقات الاجتماعية للإنسان المعاصر مما ساعد على ظهور مجتمع المعلومات .

وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي هي الأكثر انتشارا على شبكة الانترنت لما تمتلكه من خصائص تميزها عن المواقع الاليكترونية الأخرى مما شجع متصفحي الأنترنت من كافة انحاء العالم على الاقبال المتزايد عليها بالرغم من الانتقادات الشديدة التي تتعرض لها الشبكات الاجتماعية على الدوام ، ومن تلك الانتقادات التأثير السلبي والمباشر على المجتمع الاسري وتفككه ، لكن في المقابل هناك من يرى فيها وسيلة مهمة للتنامي والالتحام بين المجتمعات وتقريب المفاهيم والرؤى مع الآخر والإطلاع والتعرف على ثقافات الشعوب المختلفة ، وفي هذا الصدد تشكل شبكات التواصل الاجتماعي موضوعا تصطدم فيه أطروحتان مختلفتان فالأطروحة الأولى ترى في هذه المواقع فرصة للبشرية لتبادل الاتصال والمعرفة والقضاء على عوائق الزمان والمكان فتزيد من تقارب الناس وترفع من درجة تفاعلهم وتنشئ علاقات اجتماعية جديدة ، فيما تنظر الاطروحة الثانية لهذه الشبكات نظرة كارثية إذ ترى أنها تشكل مصدر الخطر الحقيقي على العلاقات الاجتماعية كما وتؤدي الى العزلة وتفكك نسيج الحياة الاجتماعية ، ويرى هؤلاء أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أقتحمت الحياة العائلية بحيث قللت من فرص التفاعل والتواصل داخل الاسرة.

وتلوح أفاق واسعة لشبكات التواصل الاجتماعي في الميدان التربوي فقد باتت التكنولوجيا الحديثة تشكل طرق تفكير الأجيال الرقمية الناشئة فالتمسك بالطرق التقليدية في التعليم سيؤدي الى فصل حاد بين الطرق التي يتعلم بها الطلبة في المؤسسات التربوية ، وطرقهم في التفكير في العالم الخارجي ، لذا لا يتحتم على التربويين التخفيف من حدة هذا الفصل فحسب بل الاستفادة من قوة تلك التكنولوجيات لتحقيق مكاسب تربوية ايمانا بحتمية التحول الجوهري في الأنظمة التعليمية لتتكيف مع العالم المحيط .

إن مفهوم التواصل الاجتماعي مثير للجدل نظرا لتداخل الآراء والاتجاهات في دراسته بعد أن عكس هذا المفهوم التطور التقني الذي طرأ على الاستخدام التكنلوجي ، وقد اطلقت هذه التسمية على كل ما يمكن استخدامه من قبل الافراد والجماعات على الشبكة العنكبوتية العملاقة ، وعلى هذا عرفت وسائل التواصل الاجتماعي أنها ” خدمات مقدمة للأفراد عبر شبكة الإنترنت تسمح لهم ببناء لمحة عامه أو شبه عامة عنهم ، وفق نظام محدد ويتم فيها توضيح قائمة المستخدمين والمشتركين بتبادل الاتصالات معا ، وعرض اتصالات الغير وقبولها أو رفضها ضمن الشبكة “.

ويمكن تقسيم مواقع شبكات التواصل الاجتماعي الى نوعين هما شبكات التواصل الاجتماعي الداخلية ويتكون هذا النوع من مجموعة من الناس تمثل مجتمعا مغلقا او خاصا مثل مجموعة الأشخاص داخل مؤسسة معينة، وشبكات التوصل الاجتماعي الخارجية وهذا النوع من الشبكات عبارة عن مواقع متاحة لجميع منتسبي الانترنت صمم خصيصا ليجذب عددا من المستخدمين اليها فبمجرد التسجيل فيها تسمح لهم بالمشاركة في أنشطتها.

ان تميز الشبكات الاجتماعية بعدد من الخصائص ساهم في رفع أسهم هذه المواقع بالنسبة للمستخدمين وبالرغم من تنوع تلك الخصائص الا إنها تشترك في عدد منها التعريف بالذات وطرق جديدة لتكوين المجتمع وسهولة الاستخدام والتفاعلية والتوفير والاقتصادية والتزامنية وقابلية التحرك والشيوع والانتشار و العالمية او الكونية وتعتمد على المستخدم نفسه ، حيث يوضع المحتوى الرئيسي لهذه المواقع من قبل مستخدميها وتحقق تفاعلا كبيرا بين مستخدميها من خلال العديد من الطرق وتعزز القواسم المشتركة بين المستفيدين وتركز على تطوير العلاقات بين المستخدمين .

أما وعن أهمية وسائل التواصل الاجتماعي فهي تعد فرصة لإتاحة المجال امام الانسان للتعبير عن نفسه ومشاركة مشاعره وأفكاره مع الاخرين خاصة وان هناك حقيقة علمية وهي إن الانسان اجتماعي بطبعه يتواصل مع الآخرين ولا يمكن أن يعيش في عزلة عن أخيه الانسان ، ولا يستطيع كذلك أشباع حاجاته البيولوجية والنفسية دون التواصل مع الآخرين وهي لا تقوم في الأساس دون تواصل إنساني مع المحيط الاجتماعي ، وبالتالي فإن غايات ودوافع استخدام الشباب لشبكة التواصل الاجتماعي في الإجمال هي عمليات تجارية وغايات سياسية وترفيهية وأدبية وتعليمية ونفسية واجتماعية وعاطفية.

وحول إيجابيات وسلبيات شبكة التواصل الاجتماعي، فمن الإيجابيات إنها تستخدم في قضايا التربية والتعليم والعمل والتجارة وتعزيز القوة الاقتصادية والتقليل من نسبة البطالة والتسلية والترفيه والمحادثات والاتصال والبحث عن معلومات مفيدة ومتنوعة من خلال تبادل المعلومات مع الآخر والتعبير عن الذات والأفكار الخاصة بكل حرية وكذلك سهولة الاستخدام وتعلم لغات جديدة والتحفيز على الأفكار الإبداعية وتساعد على تنشيط المهارات لدى المستخدم وتعزيز الإنتاجية العلمية وكشف الاهتمامات وتحليل الشخصية.

وأما عن السلبيات فمنها افشاء المعلومات عن الأسرة والجريمة وانتشارها والرذيلة وانتشار العلاقات الغير شرعية ، ونشر الأفكار الضالة كالعنف والتنمر الاليكتروني وانتشارها والانعزال العاطفي ، والشعور بالوحدة النفسية وبالتالي التعرض أحيانا لبعض المشاكل النفسية والادمان في أسواء الحالات ، وسوء التغذية وضعف البصر وخلخلة مفهوم الحدود الصحيحة لمفهوم الحرية ، وانتشار وتمزيق أواصر التماسك الاسري والتعرض للخدع وكثرة الاشاعات وهدر الوقت ،والتأثير على الحياة الاجتماعية وسوء الفهم وتضخم المعلومات.

إن الولد ينشأ على ما ربى عليه في صغره وتتحدد شخصيته حسبما رسمها له والداه ، فمن أراد ان يبني شخصية ولده بناء سليما عليه أن يراقب ميوله ومواهبه ويوجهه لما يناسبه وأيضا التركيز على الحوار الهادف فهو مهم جدا للتنشئة السليمة ، والمعاملة الرحيمة فهي تنمي في دواخلهم الشعور بالثقة وان لهم قدرا من الاحترام والتقدير ، كذلك يجب تعويد الأولاد عل تحمل المسؤولية واتخاذ القرار فالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى مهمة جدا في تربية الابناء، ومما يساعد على بناء شخصية الأولاد بناء سليما الاصغاء اليهم والاهتمام بحديثهم وإشعارهم بأهمية كلامهم ، ومما يبني شخصية الأبناء أيضا المرونة ، فالرفق لا يكون في شيء الا زانه ولا ينزع من شيء الا شانه ، وأيضا عدم استعجال النتائج فيجب على الابوين بذل الجهد المضاعف والمستمر في النصيحة والموعظة الحسنة وعدم استعجال جني الثمار ، والأهم المبادرة بتوجيه الأبناء للسلوكيات السليمة سواء صدرت منهم تصرفات غير لائقة ام لا ، وتوجيه الأبناء بالتفاعل الايجابي معهم اثناء تأدية مهام الحياة اليومية ، وتقويم سلوك الأبناء كرد فعل لما يصدر عنهم من تصرفات غير صحيحة ، وتوفير الأمان لهم .

مقالات مرتبطة

1 من 14