مراسي

سعاد بنت علي العريمية تكتب: النخل باسقات

سعاد بنت علي العريمية


النخل نحبه ويحبنا تزهو به بيوتنا وطرقات مدننا، وينتشر عبق طلعه في مسائنا وصباحنا، ويغدو مع الزمان كفرد عزيز من العائلة يصعب أن نتخلى عنه مهما كانت الأسباب، فكيف نتخلى عن نخلة باسقة تُزين أفنية منازلنا المعتقة بعبق الطفولة، والتي تزدان جمالا بجمال قامتها.

النخلة وصفها الله في قوله تعالى: “وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ” سورة ق الآية 10، فامتدح الله قامتها الفائقة في الطول عن سواها من الشجر، وطلعها المنضود وكأنه عقد من اللؤلؤ، ففضلها في حسن شكلها وفي كونها مصدر غذاء طوال أيام العام.
ولقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم النخلة بالمؤمن، ففي رواية عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهم جلوس في أحد الأيام: “إنَّ من الشجرةِ شجرةٌ لا يسقطُ ورقها وهي مثلُ المؤمنِ حدِّثوني ما هيَ، قال عبدُ اللهِ فوقعَ الناسُ في شجرِ البوادي ووقع في نفسي أنها النخلةُ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هي النخلةُ، فاستحييتُ يعني أن أقولَ، قال عبدُ اللهِ فحدَّثتُ عمرَ بالذي وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتَها أحبُّ إليَّ من أن يكون لي كذا وكذا”، فالنخلة شجرة طيبة ومعطاءة أينما حلت وكريمة الروح.
كما أن النخلة هي الشجرة التي ولد تحتها نبي الله عيسى عليها السلام، وأمر الله أمه مريم الصديقة أن تأكل منها بعد أن ولدت طفلها النبي عيسى عليه السلام، حيث قال الله في كتابه: “وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا”، وهذا دليل على قيمة التمر الغذائية بالنسبة للمرأة النفساء ورضيعها، وللإنسان في جميع مراحله العمرية.
والنخلة تشبه الإنسان في الكثير من الصفات، فهي ذات قامة مستقيمة، وهي التي يلتصق صغارها بها، وهي التي تموت إذا ما قطع رأسها.

والنخلة هي الشجرة التي أطلق عليها شجرة الحياة في أساطير الحضارات القديمة في بلاد الرافدين والحضارة المصرية، وهي شجرة مقدسة عند إلههم وهو إله الشمس الذي ولد تحت شجرة النخيل، وفي فترات انتصارهم على أعدائهم اعتبروها رمز النصر والفوز؛ لذا فهي شجرة خالدة ومقدسة في الكثير من الحضارات القديمة.

وقد استخدم المسيحيون سعف النخيل في احتفالاتهم ومواكبهم الدينية، فمن أرض العرب “الأكثر انتشارا فيها” امتدت لتصل إلى كافة أصقاع العالم، فهي الفاتنة التي تواجدت في لوس انجلوس لذا أطلق عليها “مدينة النخيل “، وتواجدت في أشد البلاد برودة كمدينة موسكو الروسية ووصلت لأيسلندا التي بدأت في تجارب زراعتها، وهي الشجرة القادرة على التكيف في جميع الظروف.
وعلى الرغم من انتشار النخيل في الكثير من دول العالم إلا أن النخل يرتبط بالتراث العربي، وأدرج النخيل ضمن قائمة التراث الإنساني للمجتمع العربي في منظمة اليونسكو، وقد كانت سلطنة عمان من الدول الأربعة عشر التي تقدمت بملف طلب إدراج النخلة ضمن التراث الإنساني للحضارة العربية.

إن النخلة هي التي تنبت فينا روح العطاء وتدفعنا إلى أن نكون أصحاب همم ووجود مختلف ومميز بإنجازاتنا، وأن نكون مصدر البهجة والسعادة والعطاء لجميع من حولنا وللبشرية جمعاء.

وقد اتضحت عناية سلطاننا الراحل المغفور له قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- بالنخل عند إطلاق مشروع المليون نخلة، وكان هدفه أن يكون المشروع له تأثير واضح في الإنتاج المحلي من التمور بالإضافة لكونه مشروعا جماليا في نفس الوقت.
النخلة شجرة تستحق العناية بها بحب، وتستحق أن تزين أفنيتنا وطرقنا، ويجب علينا أن نستشعر قيمتها فهي نعمة نشكر الله عليها.

مقالات مرتبطة

1 من 14