[you] قصة : موت عبدالرحمن . من تأليفي .. شاركني ..!

المرتاح

New Member












الجزء الاول



في قريتنا الصغيرة الواقعة على ساحل طويل ممتد . كانت أمواج البحر عالية ،لا ميناء له ولا أرصفة تحمي قوارب الصيادين .. كأنما أبواب البحر مُفَتّحة من جهاتها الثلاث ، خلا جهة اليابسة ، رُبما لكونها مكاناً يعج بالحياة لكثرة تواجد البشر فوقها .. في كل صباح لا تسمع إلا ضجيج الصيادين وصراخهم وجلبة بعضهم ووقع أقدامهم وهدير ماكينات قواربهم ، بيوت حارتنا مُكتظة البُنيان ، يُخيّل إليك أنّ البيوت متراكبة فوق بعضها أو رُكّبت فوق بعضها ، على ذوق قُرى صغيرة لصَيادين لا يَعتمرون غير تجمّعات صغيرة قريبة من البحر .. تبدو للناظر إليها من على بُعد بصرٍ قوي أنها يائسة ومحبطة، أو هائمة على بحر ممتد لا تحيد عن تمددّها نحوه ، فقد شاء قدرها أن تكون كالغيوم المتفرقة أحياناً ، فحين يقطع تواصلها وادياً أو سلسلة جبلية مرتفعة أو منخفضة يراها الناظر أنها متكدسة فوقه أو التحمت فيه بل ويُخال أنها مرتصّة فوق بعض ، أو على تراصّ ببعضها ، هكذا هي حارتنا القديمة لا تتعالي بمكانتها عن رفيق درب تواصلها وبقائها بل ترى أنها مُكمّلة لامتداده ، فهو على طول امتداده قد أرخى مدّه فوقها حيثما امتدّ واتصل .. بيوت حارتنا تبدو كأنها مُقامة على آخر طوبة من البيت التالي .. طُرقاتها ضيقة جداً ، تكاد لا تكفي لمرور أكثر من شخص وإذا قُدّر أن يكون سميناً بعض الشيء فعليه أن يسير على احد جَنْبيه .. بيوت حارتنا لُزّتْ بعضها ببعض ، والتصقت وتقاربتْ وتجاورتْ ، إنه عنوان عمارة تأصّلت وتجذّرتْ عُرفت من يومئذ بالبيوت القديمة .. هكذا تسير عليه أنماط عمارة بلادنا كُلها منذ القدم .. في السهل والجبل ، لا تجد إلا نفس نمط العمارة .. حتى لو شاهدت مثلها في بُقعة أخرى ، لصرخت بقوة هذه عمارة حارة ( . ) حتى أن البُلدان القريبة أو البعيدة والتي كانت لبلادنا موطئ قدم فيها ، تجد عبق تأريخنا مُتجذّراً فيها ، حتى عرفتْ قيَم وسلوكيات بشرية قائمة باسمنا إلى هذه اللحظة ، قيمٌ تجاورتْ مع أُسّ عِمَارة تجذّرها العريق وقد عُرفتْ به .. حتى وإن ذكرتَ عمارة قديمة كان حرياًّ بك أن تذكر جذورها النابع منها ، كعين الماء إذا أردت معرفة منبعها عليها أن تسبر أغوار جذورها الممتدة من السهْل أو الجبل بل هي اقرب إلى الشجرة ، فإن قطعت أطرافها بقيَ جذرها قائماً ..! هكذا هيَ مَشاهد البيوت القديمة وطرقاتها وعمارتها المتوازنة بلا غلوّ ولا إقحام ، فهي مذ ذلك الامتداد البعيد بأزمنته الغابرة ، تشتمّ ريحة ماضيها وعبق نسائمه فلا تُنسيها توازنها القيَمي والسلوكي ، فقد تجد واجهات البيوت قد تشابهت لكنها تختلف في مَسكنها صغيراً كان أو كبيراً بكل أنماط عِمارتها، هكذا هي وجوه بشرية حارتنا تسير في تجاور مع سلوكيات قائمة لا تنسى ولا تُغيّب امتدادها إلى يوم الدين ، هكذا بقي ذلكم الأُسّ متلازماً مع فلسفتها القيّمة فـــ " الوجوه تتشابه وإن اختلفتْ " هكذا هي عمارة حارتنا تتشابه وإن اختلفت الطريقة المُستوحاة لكنها لا تخرج عن عبق ماضي تجذّرها العريق ، حتى وإن تغيرتْ وتبدلت نظم الحياة وتطورت مَسيرتها.



للقصة بقية فتابعووها ..
 

almeem

مشرف عام
شدني العنوان,,,,موت عبدالرحمن!!!من الأسماء المحببه لدي...

فـــ " الوجوه تتشابه وإن اختلفتْ " هكذا هي عمارة حارتنا تتشابه وإن اختلفت الطريقة المُستوحاة لكنها لا تخرج عن عبق ماضي تجذّرها العريق ، حتى وإن تغيرتْ وتبدلت نظم الحياة وتطورت مَسيرتها.!!!!





في انتظار البقيه
:)





موفق أخوي..



 
هكذا أجمل اخنا "المرتاح"



حتماً سنرتاح هُنـا
^.^



ولِـ حروفكَ شوق ..



أكمــل .. فالفكره ساحره , والجمال هنـا حقْ جمال



أيُّ مدينة هذه التـي خلقتَ حُبكتها!

علّها صُور العزِ
^^



 

تذّكآر

New Member
ما شاء الله

عنوان رائع ، واتمني لك المواصله

تم تثبيت الروايه

ولي عود ان شاء المولى


 

المرتاح

New Member
شدني العنوان,,,,موت عبدالرحمن!!!من الأسماء المحببه لدي...

فـــ " الوجوه تتشابه وإن اختلفتْ " هكذا هي عمارة حارتنا تتشابه وإن اختلفت الطريقة المُستوحاة لكنها لا تخرج عن عبق ماضي تجذّرها العريق ، حتى وإن تغيرتْ وتبدلت نظم الحياة وتطورت مَسيرتها.!!!!





في انتظار البقيه
:)





موفق أخوي..




هههههههههههههههه

يعني كذاك انت مرتاحة .. عاجبتنك العمارة القديمة والوجوه التي تتشابهْ .. ههه حلوه دي .

تمام .. لكن الردود لا تصلني للعلم .. فقط مريت كذا وتابعت .. فوجدت مالم اكن اتوقعه . تحياتي
 

المرتاح

New Member
هكذا أجمل اخنا "المرتاح"



حتماً سنرتاح هُنـا
^.^



ولِـ حروفكَ شوق ..



أكمــل .. فالفكره ساحره , والجمال هنـا حقْ جمال



أيُّ مدينة هذه التـي خلقتَ حُبكتها!

علّها صُور العزِ
^^




علّها صور وما يدريني ولعلها تذكار .. هههههه

سأعود إليكِ ، لمعرفة لاقاعدة التي تؤمني بها هل هي فيزيائية وتنطبق على كل الحيوات . ولكن بعد ان انتهي من قصة ، موت عبدالرحمن .

ولي طلب بسيط وهو تمريرها عبر بريد المنتدى .. تحياتي
 

المرتاح

New Member
ما شاء الله

عنوان رائع ، واتمني لك المواصله

تم تثبيت الروايه

ولي عود ان شاء المولى



ههههههههههه

راح اغيره .. مههههه موت المرتاح ..!!

تمام .. أنا في انتظارك . عودي يا سدتي عودي .. والنص امامك . إقرأيه وبحروفك جودي .

تحيـــ ــــــاتي
 

تذّكآر

New Member
^^



اعجبني وصفك الرائعه



والصور الجماليه للبيوت القديمه ....



اكمل في انتظار البقيه من الروايه


 

المرتاح

New Member
اكتب هذه القصة نزولاً عند رغبة الاختين الكريمتين .. صور ما وراء البحار .. وتذكار .. لأنهما ، هما اللتان اوحتا إليّ ان اكتب بدلَ قصتي ( لا شيء يستحق ) لما رأينه من عبارات تحمل بعضاً مما لا يستحق ان نكشف غُموضه .. وقد وافقتهما .. ولذا استبدلت بقصة أخرى كانت تتحدث عن قصة قديمة ، ترجمتها أفكاري .. ولا تزال عالقة إلى هذا اليوم . ولكني اقول لكم اني لم اراجعها قط .. وما أجد عندي الرغبة الآن ، لكن في المستقبل سأعود إليها بلا شك . فإن وجدتم فيها شيء من خطإ مطبعي / إملائي / قواعدي .. وعبارات غير لازمة في النص ، لا تسكتوا بل اخبروني .. سواء اكان على هذه الصفحة ام في الرسائل الخاصة .. كذلك من لديه المعرفة في القراءات النقدية او حتى الرأي او وجهة نظر ، فليُبديها لي .. وأنا انتظره .. ولا يظن برأي .. فإني والله أكون راضياً عليه .. شريطة ان استفيد منه ، ولا نريد ندخل في مسائل جدلية لا تخدم لانص ولا تخدم علاقاتنا الاخوية ، فأنا كاتب صغير ، وهذا الذي عندي أكتبه بتلقائية مفرطة .. !! علماً بأنّ تلكم القصة ( لا شيء يستجق ) التي اوقفتها تذكار وصُور ما وراء البحار .. رغم اني واثق انها عادية جداً ولكنهما رأيا ذلك . وأنا أحترم رأيهما ، وقد قلت وقتئذٍ ، اني مستعد دون ان ادخل في جدلٍ عقيمٍ حسبته هكذا ، لأنهما لن يفهماني وانا اكتب لهما مالم يكن بيننا تفاهماً أقرب ، وباسلوبهما الجميل تمكنّا بإعادة النظر مرة اخرى في قصة مُماثلة ، كانا هُما ملهمتا فكري .. إلى فكرة قصصية اخرى . لأني كنت متمسّكاً لأبقى في هذا المنتدى بكل قوة ، وعليه أقدم لهما تحيتي ....!ولكم جميعاً السلام من أخيكم حمد . المرتاح



الجزء الثاني .. من قصة ( موت عبدالرحمن .. )



سِراج ذلكم الشاب ، طويل القامة ، ابيض اللون، ذي أظافر طويلة مُتسخة .. يقف وقفة الخائف ، ارتصّ على إحدى قوائم بيتنا ، بعض هذه البيوت مبنيّة من سعف النخيل ، خاصة تلكم البيوت التي كان أصحابها أشد فقراً ، عن غيرهم من حاضرَ مركز الحارة ، أو حتى عن أُؤلئك الذين يتجاورن مع الأودية أو مداخل ومخارج الجبال ، فهؤلاء بيوتهم مبنية على صخور أو طوب محليّ الصنع أو على حجارة الجصّ ،فحارتنا كبيرة ، إذ أنها أطول حارة تمتد طولاً أكثر من عرضها ، تبدو صورتها كرسم مائلٍ إلى الانحدار ، وجبالها كأنها تسجد في البحر وحلق يابستها مفتوحاً على بحرها ، لا تختلف كثيراً عن بقية الحارات المجاورة ، رغم تشابهها في قيمها وسُلوكها وبعض انحدارات جبالها ويابستها ، بمعنى يتشابه وجه الحارات وإن اختلف في امتداده ورسمه ، وأسطورة هذا الامتداد ، حمله الكثيرون على قوة وصلابة وعزيمة رجال كان دأبهم العِزّة والشموخ ، جاوروا البحر وأقاموا على اليابسة وبهذا الفضل الكبير من الاُنْفة والدّربة جعلهم يذودون عنها بكل غال ونفيس ، في الوقت التي كانت معظم الحارات متفرقة على نمطٍ قبلي ساد كثير من المجتمعات وطال حارتنا بلا شك ، لكنّ رجالنا نجحوا حين أيقنوا أن التمدّن والتحضّر لا يأتي إلا وفقَ تقارب وتآلف الحيوات .. احدهم تشاور مع الذي إلى جانبه : أخشى أن يُصيب رجالنا عَنتاً شديداً بسبب هذا الشاب الكسير ، فلربما به حالة من حزن أو قد اكتسب مأثماً حوّل حالته إلى هذا الانكسار .. وعلينا أن نفهم أنّ إرضاء المُتعنّت صعب جداً ، فإياكم وتخرجون إليه بطريقة القصْد ، فتزداد حالته إلى سُوءٍ ومشقّة .! يسأله احد الصبية من أنت .؟! فغطّى وجهه كالخائف مرتبكاً ، وجلاً ، وبدا كأنه يترقّب .. قال احدهم كان طيباً :- اتركوه وشأنه .؟ سكت ثم عقّب ، المجتمع اليومَ يعيش زمنٍ قاسٍ قد اعتلّتْ فيه القيَم وتغيّرتْ فيه المعايير ، وتبدّلتْ المفاهيم الأخلاقية ، واختلّتْ فيه موازين العلاقات ، كُلّ العلاقات حتى النفسية والاجتماعية وتلوّنتْ بألوان لا تعرف فيها الناصحَ أو الذي يحتاج إلى النصح .. وهذا الشاب لا يخلو من واقع مُهين أودى بحالته هذه ، فصار شائناً ، فدبّ ما شانَهُ فطبعَ على خلّةٍ اعتلّتْ أوبلغتْ مُستوى عروقه ففاضتْ شؤونها في عِرْقه . وابتلى به جسده .. الم ترون كيف هي أظافره قد اتسختْ ووجهه كئيباً ونفسه وجلة . فإياكم أن تزيدوه بُغضاً فيكم .. أو تشبّوا ما هجعت إليه نفسه ، فما حاجته إلا أن تخمدوا ما شأَن به في صدره ، فإنْ أوقدتموها ، فربما تكونون مقصدها .! قال أخر: صدقت ، إنّ أخلاقيات الزمن الجميل قد ولّت وذهبتْ بغير رجعة ، بل لا رجعة فيها البتّه .. وأقول ذلك لأن الحيوات القادمة ، أو سوف نرى في قادم الأيام تأثراً بالغاً بالمادّة ، عندها تنحسر القيَم ، وتطغى المادة المحضة على كل شيء .! قال ثالث : نعم إني أرى حالته ، كأنما نخرته الظروف القاسية من كل حدب وصوب ، وبقيَ رجل يُرثى له، وأراه ، بل أرى نفسيته أخذت تنهش " ساسَ " هدوئه ، إني أُشبهها كرمّة البيت لا تدعه حتى يتهشّم . كانت هذه الليلة ، ليلة دخلة ابن عمّي ، مساء الأربعاء أو ليلة الخميس هي ليلة زفافه ، فبعض الناس يسيرون هنا على رتم تصديق النجوم والبحث في توافق الحظ فيها ويسمونها بـ " المنزلة " ودخوله بمن اختارها له أهله ولم يكن باختياره ، فنمط الزواج والتزويج في حارتنا لم يكن باختيار الشاب وحده بل ربما يشترك معه أهله ويكون هو غالباً خارج اختياره هكذا ولا يزال مجتمعنا ينتهج نفس الطريقة ، إلا قليل منهم ، يكون باختيارهم شريطة مباركة الأهل وموافقتهم ، هذه الليلة هي ليلة الخميس كما هو متعارف في حُسبةٍ تقليدية متوارثة لدينا، انه بعد غياب نهار اليوم ويأتي الليل فإن الليل يُعد من اليوم التالي، وحسب الحُسبة التقليدية فإنّ هذه الليلة كانتْ بعد غياب نهار يوم الأربعاء ، لتكون ليلة الخميس .



للقصة بقية فتابعووها ..

ملاحظة هامة .. اتمنى من الجميع ان يعيد القراءة ، لكيْ يتمكّنمن ربط الأحداث بالقصة كاملة .. وهكذا دواليك في كل مرة . فهل انتم معي ..؟!!





 

المرتاح

New Member
السلام عليكم

ماذا لو فعل المنتدى ومرر هذه القصة عبر البريد الموقع إلى كل الاعضاء ..!!!؟؟؟

تحيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاتي

 

المرتاح

New Member
كان صوت "سِراج " ثقيلاً ، كأنما به لَثْغة ، وأحمل ظنّي الحَسِن فيه ، أنه كان يخجل أن يُظهر صوته ، هكذا أحسستُ من خلال بُطء انتقال لسانه وضغطه عليه ، كأنما يجرّ الحرفَ جرّاً ثقيلاً ..يتكلّف في لثاغته ولا يتحوّل لسانه سريعاً بل يكاد لا يَنْقلب الحرفَ على لسانه ولا حركة لسانه تستطيع إقلابَ الحرف .. بقيتُ انظر إليه وهو يُتعتع بالحروف ويُكسّرها بصورة واضحة جداً ، كأنّه طفل صغير لتوّه بدا يتعرّف على الحروف ويتهجّاها بصعوبة بالغة . حينئذٍ كنت اشعر أن هذا الشاب ، طويل القامة ، نحيف الجسد ، قد شعر بالخطر ، وتوجّسَ خِيفةً في نفسه ، وبدا يتحيّن الفرصة للهرب أو الاختفاء .. وكانت عينه ترقب حركة الذين اجتمعوا فيما بينهم وبدا كأنه يرقبَ وحشاً ، يطارده بعينه ، حذراً خشية ان يباغته فينقض عليه ويقتله ، فكل تصرفات المجتمعون تُوحي إلى محاولة الإمساك به ؟! إذ كانوا يظنون أن التعرف على شخصيتة من أهم الضرورات لأنه غريب وفي حالةٍ تحمله على الظنون والشكوك .. فلربما هو مدسوس من قبل جهة مُعادية .. هكذا بدا على المجتمعون .. وعقدوا التصميم والعزم على ان يجعلوه يفلت منهم .. في حين كان " سراج " قد اخذ مكاناً قصياً ، واخذ يتوارى قليلاً ويبتعد عن مركز الخطر ، فهو قد التمسَ منذ وقت مبكّرٍ لُغز حركتهم وإشارة دوافعم .. كانت الشجرة التي اندسّ خلفها " سراج " هي شجرة زرعها جدّي بيده وإلى اليوم هي باقية ، شجرة الصّبار ، شجرة جميلة الاخضرار ، جميلة الثمرة ، لها منظر جميل مُغري ، خاصة في وقت نضج ثمارها . قال أبي يومها بعد لحظةٍ من الاجتماع ، اتركوا " سراج " وحاله ، وأنا من سيتكفّل معيشته حتى نطمئنّ من هو او ماذا يحمل في جعبته ؟! فلربما هو غائبٌ عن أهله وضائعٌ لأسباب نجهلها..!؟ اتركونا نتعرّف عليه من خلال التقرّب منه .؟! وافق الأهالي ، وهدأتْ النفوس وبدا الأمر عادياً ، تسلل أبي إلى " سراج " كيْ لا يُحس بخطره فيهرب .. مَسكه من يده واقتاده من يده دون أن يُبدي سراج مشكلة . بل تبع أبي بكل سهوله .! عاش سراج بيننا يزرع ويسقي النخيل ويأكل ويشرب ، كأي شخص آخر طبيعي .. لكنه لا يتكلّم كثيراً ، قليل الابتسامة ، فاغلب وقته مُتجهماً ، عبوساً ، حذراً ، كأنّما خائفاً من شيء .. عينه تسير إلى جهاتها الأربع .. لكنه لا يُبدي ، رفض عملٍ مُعين .. إذا أمرته يفهمك ويذهب منطلقاً إلى ما أمرته به ..! غريب أمر هذا الرجل جداً .! يفعل ما نَفْعل ، حتى إذا بدت حاجة التغوّط أو دوافع البَوْل يتوارى عن الناس يكاد لا يُرى ، يندس بين أشجار الغاف والسّمر الكثيفة خارج المزرعة ، ولا يُبدي تذمّرٍ أو تعبٍ ، يزرع ويسقي النخيل ويدقّ " القتّ " البرسيم ، حاله كحالنا ، لا فرق بيننا ولا يكاد من لا يعرفه أن يقول عنه شيء كنقص إنسانية أو عقل ، يزرع " الطّمَاطْ " نبتة الطماطم ، كأنها فاكهة او هي فصيلتها وتُنسب إليها وهي اقرب إلى نبتة الباذنجان وتختلف في اللون والشكل يكاد يكون قريباً ، كما هو البصل والثوم من فصيلة واحدة لكن كل منهما خاصية مختلفة ، عبدالرحمن يحصده معنا الطماطم والباذنجان والبصل والثوم والفجل والجزر والخيار المحلي ، هذا الخيار المحلي الرائع ، لونه يميل إلى الاصفرار وعليه نقط كوشمات مُخضرّة عليه تشكيلات بديعة ، كأنه يجسّد لنا ، بأنه الفاكهة الاكشخ ، والأحلى والأجمل ، طعمه لذيذ ولونه جميل جداً.. صِرْنا لا نُفَرّق بيننا وبين عبدالرحمن ، فأبي يجلسه إلى جنبه .. لكنه لم أرهُ مرةً أن حمل طفلاً أو ابتسم في وجهه .. إلا قليلاً ، نراهُ يبتسم مع نفسه بدون أنْ نعرف سبباً لابتسامته أو دوافع هذه الابتسامة ولم نكد نسأله فأبي قد وصّانا بأنْ لا نتدخل في أي شيء قد يختلف معنا سُلوكاً ، فأبي يُحبه ويحترمه كثيرا ..وكذا هو أيضاً يقترب إلى أبي ويأنس إليه !! وفي ذات يوم وجدت أبي يُحدث عبدا لرحمن ، ما رأيك ، لو غيرنا اسمك من سِراج إلى عبدا لرحمن ، وكان أبي وهو يُشاوره يبتسم له ويبُدي شيء من غَمز إشارة العين ، فيهزّ عبدا لرحمن رأسه بالقبول ، فرحاً مسروراً ، حتى إذا نُوديَ باسمه الجديد " عبد الرحمن " يلتفت بسرعة ويستجيب ، كأنما هو فِعْلاً كان اسمه الحقيقي عبدا لرحمن . وذهبَ أبي إلى تسميته بهذا الاسم بـ " عبد الرحمن "، إذ أنّ عبدا لرحمن هذا ، كان شبيهاً برجل ، كان به حالة نفسية وضلّ لسنوات لا يتكلم كأنه أبكماً ، حتى غادرنا ذات ليلةٍ دون أن يشعر به احد .. قيل انه فقَدَ ذاكرته وهلوسته تأتيه في نوبات متكررة ، وعبدالرحمن ذاك " الأول " كان يستوحش كل احد ، فيتحبّس ويُبطئ ويجعل من عينيه الحمراوين أداة مُنفرة فيبتعدَ عنه غالبيتهم لأنهم كانوا يخشونه ويتوجسون منه خِيْفةً ، فحين كان يُحدّقهم بعينيه كانوا يتنحوّن عنه بعيداً ولا يقربونه ، وكثيراً ما تكون سوالفهم وأحاديثهم الجانبية يتناقلون على ألسنتهم نوباته المتكررة وأثرها عليه ، فالنوبات القاسية تؤثر على نفسية المريض قبل أن تحدث وبعد حدوثها ذلك لأن نوباتها الشديدة تستدعي رعاية خاصة وخطرا كبيرا على المريض أن يعتزل الناس أو يبقى بعيداً عنهم .. هكذا كانتْ بعض الألسنة لا تكفّ ، تؤذيه وتطعن في الحال الذي بدا عليه .. وعبدا لرحمن المجنون هذا بدا أكثر قبولاً لدى العامة ليبقى هذا النّعْت موسوم به ،كل من يختلف معهم أو يأتي بشيء مختلف . إلاّ العقلاء منهم الذين يرون النوبات العصبية ما هي إلا ابتلاءاتٍ مُقدّرة .. ومع مرور كثير من الوقت ، جعل الناس كلمة " المجنون " سِمَة وعلامةً يُعرف بها عبد الرحمن ، وسقط اسمه بعد أن حلّت السّمة التي عُرّف بها ، كأنما هذه السّمة التي غلبتْ دوافعها عليه ، أثراً لكيّةً أو نيشاناً أُعطيَ له نظير ما يختلف به عنهم من تصرفٍ اختلف عن عامتهم ولو كانتْ تلكم السّمة هي لمرضٍ اختضبَ بأثره على نفسيته .. وصارت هذه العبارة دليل إشارة إلى عبدا لرحمن أو أضحتْ كُنيته عند القريب والبعيد على السواء ..

للقصة بقية فتابعووها ..

ملاحظة هامة .. اتمنى من الجميع ان يعيد القراءة ، لكيْ يتمكّنمن ربط الأحداث بالقصة كاملة .. وهكذا دواليك في كل مرة . فهل انتم معي ..؟!!











 

المرتاح

New Member


الجزء الرابع ..

لكنّ والحقيقة أمانة ، لم نجد فيه شيء من الجنون ، بل كان عادياً إلا قليلا من تصرفٍ لا يُعتد به غالباً ، واستمرّ معنا إلى بضعة أشهر ثم ارتحل بأدبٍ ، يومَ أن تشاور مع أبي وقال أنا بروح ، وكان يستعمل الإشارة ، لا يتكلّم .! هذا الرجل ذي اللحية
" الخنجرية " كما يقال ، فلحيته وشاربه يلتقيا مع بعضهما بلا تحسينات أو يدِ حلاّق لمستها .. فعبد الرحمن هذا لا يرتاح لأحدٍ غير أبي ، فيُبادله الابتسامة ، عندها تظهر أسنانه الصفراء المقززّة ، الفجّة بغير تناسق ، متكسرة ومُتشرذمة ، بعض ضروسه الجانبية منها ، تبدو وقد نخرتها السّوسة .. أو لوثتها عوامل جِيْر الأسنان فاصفرّتْ ، وغدتْ مُقزّزة ، بل تبدو اللثة سوداء أو هيَ اقرب إلى زُرقة داكنة ، بعضها قد تراكبتْ فوق بعضها أو زِيْدَ سناً صغيراً عليها .. كان هذا الشاب " المجنون عبدالرحمن " ذي مِزاج مختلف جداً ، فمرة يَحْلق لحيته ومرة يبُقيها وتارةً يُزيلهما معاً وتارةً أخرى تراه يتعمّد إلى تخفيفها بمقص فيشوّها بطريقة العمْدِ بل أظنّه عن عَمْدٍ ، فلا خطأٍ تقصّدهُ ولا مُصادفة .. فحينَ يقوم بهكذا فعلٍ مُشوّهٍ يراقب صورته على صفحة الماء المنعكسة عليها ضوء الشمس أو تجده يتلمّسها بيده كأنه يُؤكد فِعْلها عن عَمدٍ منه وبجدٍ ويقين .! ثمّ أن عُدة أدوات الحلاقة لديه غير منقوصة ، كأنما يوحي ذلكَ انه كان حلاقاً في الماضي وجُنّ أو تهلوَسَ بوجعها ، فهدّهُ عِشْقه بها فصار حزيناً منكسراً ..!! وإني لأتعجّب أشدّ العَجبِ ، فعلى الرغمِ من امتلاكه لأدوات الحلاقة الكاملة لكني لم أجده يوما أنْ زال شاربه أبداً .. وأحياناً يقوم " عبدالرحمن " ويأخذ المقص والمشط الحديدي ويُخفف لحية وشنب أبي ، راقبتهما مرةً فكانتا رُكبتيهما تلتصقان ببعضهما ، ولا يُبدي احدهما خوف أو توجّس من الآخر .! لكن ما اعرفه أن أبي لا يطلب من عبد الرحمن إلا إذا أشار إليه هو بنفسه في الوقت الذي يكون مزاجه رائقاً أو قد تغيّر إلى أحسن حاله .. وحين تحدثت لأبي لماذا تجعل عبدا لرحمن يُهذّب لحيتك ، فيُمكنه التعمّد بقتلك .. أو يتصرف بفعل غير لائق ـ مثلاً ـ ضحك أبي ، وقال : أرجو أن لا تحملكَ الظنون إلى هذا الشكّ السيء . فالشكّ هو شر في صدور الناس ، حين توسوس لهم صُدورهم ، واعلم يقيناً أنّ ما بدا لعبد الرحمن واحدة من هذه الوسوسة التي تحولتْ إلى حالة نفسية أو صارتْ كما تراه حالياً على مرأى عينيك .. تأكّد يا بُنيّ أن عبدا لرحمن به حالة نفسية قاسية
والتعامل معه بشيء يُرّغبه في التجانس معكَ ، تأمنَ شرّه ، بالطبع مع الحذر ، فلا يجب أن تكون مُنفلتًا كثيراً ولا قاسياً أو شديداً في الوقت الذي لا يتطلّب معك غير الليونة فالقوة والشدّة والغِلظة كُل اؤلئك فيها شيء من أثر سلبي على النفس وربما تكون النتيجة عكسية ، ومن الأنسب بمكان أن نجعله وفق رغبته .. ألا تراني احضر الأكل ولا أُجبره عليه . وإن رفضه اترك نصيبه تحت " الغافة " فيأكله في وقت لاحق ..!! ألا تلاحظ ذلك.؟! قلت لأبي ، نعم ألاحظ ذلك .. ؟! فرد :



____________



للقصة بقية فتابعووها ..

ملاحظة هامة .. اتمنى من الجميع ان يعيد القراءة ، لكيْ يتمكّنمن ربط الأحداث بالقصة كاملة .. وهكذا دواليك في كل مرة . فهل انتم معي ..؟
 

المرتاح

New Member
الجزء الخامس



فرد : أنا قد تأكدت بعد أن تَفرّستُ فيه ، وكانتْ نظرتي إليه حاذقة ، حين وقفتُ على كثير من تصرفاته ، بأنّ هذه الحالة ، لا تعدو عن كونها حالة نفسية ، رغمَ أني لا أدّعي العلمَ أو المعرفة ولستُ بذي خبرةٍ فيها .. لكني أدرك انه لا مجال لتفسير حالته إلا بها وتأويلها على حالتها هذه .!؟ كان عبدالرحمن يلتزم بوقت العمل ، ولا يُغادره إلا إذا أشار إليه أبي بيده .. وهذا "سِرَاج " مِثله تماماً ، يحضر عند طلوع الشمس ويروح عند غروبها ،وله استراحة القيلولة عند الظُّهر أو الظهيرة ، وقبلها في منتصف النهار .. مِمّا حدا بالبعض أن يطلق عليها ، تعارفاً بـ " الترويحة " كان عبد الرحمن يأكل معنا في صينيّة واحدة فأبي قد أمرنا بعدم عزل أكله أو جعله بمفرده حين نجتمع على شيء من أكل ، وعدم التقزّز من رثاثته ولا ننظر إلى ما يسقط من يده حين يأكل حتى لا نضطر لدفعه للتوجس مِنّا فيتكلّف يأكل بطريقةٍ صعبة لم يعتاد عليها أو يتورّع خيفةً منا فيعزل نفسه أو ندفعه للهرب .. ورغم توجّسنا منه لكنّا بدأنا نأتلف مع وضعه يوماً بعد يوم ، فمن أول يومٍ عَمدنا أن يأكل معنا في صينية واحدة بلا تفرقة أو عزله عن الجماعة .. وأكثر العجب ومن الغرابة بمكان أن هذا الرجل عبد الرحمن ، لا يطيقني ابداً ، يحذر مني كثيراً كأنه يخشاني .. رغم أني صغيرٌ جداً ، وهو يكبرني سناً وعقلاً .. إن صحت العبارة . فإذا حضر موعد الغداء ـ مثلاً ، وأنا موجود ، وناداهُ أبي ، لا يرد .. ولا يأتي ويمتنع ويبقى مزمجراً كأن حالة مزاجية تدخل نفسيته بطريقة سيئة ، ويضل قابعاً في مكانه بلا حركة ولا يرفع نظره أبداً ، اكتشفَ ذلك أبي حين قامَ أبي بترك إخوتي فرداً فرداً ففي كل وجبة واحداً لا يشترك معنا ، حتى تأكد أبي حين تبيّن أني أنا هو غير المرغوب فيه .!! اكتشف ذلك عندما أغيب يحضر عبد الرحمن ولا يمانع وحين أكون موجوداً يمتنع .. وذهب أبي ، أنّ عبد الرحمن متوجس مني نظراً لشقاوتي فيظنّ حين أكون مع أبي لوحدنا ، أني أشكوه إليه .. وأنه عبدالرحمن يتوجس مني خِيفة ، هكذا فسره أبي بتأويله الظنّي وحمله بطريقةٍ عشوائية ، وقتها تعمّد أن ينتهرني ليسمع عبدالرحمن انه يزجرني ، ماذا فعلت به يا ولد .؟! لا شيء ..؟! وبخوف من أبي .. والله ما قلت له شيء ..؟ ما اعرفه انه مهبول لا أكثر .. فانتهرني مرة أخرى .. عيب تقول عن الرجل مجنون .. انته تشوفه مهبول .! وعلى ضوء هذا الحوار المحتدّ بيني وبين أبي ، غادر عبد الرحمن النخيل ، وذهب إلى جهة غير معروفة . وتعمّد أبي الاستمرار في الحوار ، زاجراً إيّاي .. لا تقل له شيء ولا تحسسه بأنه غريب عنك .. ألا تعرف أن الحالات النفسية قاسية ، ثم قال أبي بهدوء هامساً ، عبد الرحمن الآن يتلصص علينا ويسمع حوارنا ، أفهمت انه غير مجنون .. ماذا لو ظنّ أو حمل في عقله كُرهاً وبغضاً عليك .؟! خليه في حاله .. لا تنظر إليه ولا تمدنّ عينيك في عينيه ، ولا تحرن بعينك صوبه بنظرة قاسية ، إنه يتوجّس خيفةً حتى من النظرات ..

________________________

للقصة بقية فتابعوووها .. ملاحظة ، لكل من يقرأ القصة ان يتابعها من جزئها الاول .. ويتمعن فيها ، ليعلم شخوصها وأحداث تفاصيلها .. تحياتي
 

المرتاح

New Member
الجزء السادس والاخير

إنه يتوجّس خيفةً حتى من النظرات .. زعلت أمي وأخذت في قلبها غضب على أبي من موقفه هذا ، فقد ظنّتْ انه اختار أو تخيّر عبد الرحمن المهبول على الرغم أني ابنه ..! ولم تكتفي بهذا الزّعل المبطّن ، فقد واجهت أبي بحزم :

- إن كنت كما تقول مأخذ في خاطره على عبدالله ، خلاص ما نبغيه ..

يروح والله يسهّل عليه .. يسير في حاله ويخلّي ولدي في حاله .. أنا خائفة من ردّة فعله ، ربما ينتقم من عبدالله بسبب كلامك هذا ..! سكت أبي ولم يزد حرفاً :

ولّى مُدْبراً ولم يُعقّب ، بقى بُرهة يفكّر ، ثم نادى على عبدالرحمن ، أعطاه

مالاً وقال له :

- من بكره ، لا تجي .. روح محل ما تبغي ..

ابتسم عبد الرحمن وهو يأخذ الفلوس من يد أبي ، رفعها إلى شفتيه وقبّلها .. نظر في أبي وبقي صامت .. ربتَ أبي على كتفه ، وكان يحنو على عبد الرحمن كثيراً .. ويعتبره كواحد من الأسرة لا يبخسه حقه أبداً بل يُضاعفه في مرات عديدة .. وكان لا يدعه يعمل في الظهيرة .. ويمنحه استراحة خفيفة ما بين الضحى والظهيرة في منتصف النهار، ويسمُّونها الناس هنا بـ الترويحة .! فيؤشر له بيده مع الكلام " روح نام " يضع راحة يده إلى احد جانبيّ وجهه ، دلالة على النوم .. يفهم عبدا لرحمن الكلام والإشارة معاً ، لكنه لا يتكلّم ولا ينبس بحرف .

وفي اليوم التالي ، جلسنا نشرب الشاي بالحليب كعادتنا ونأكل بعدها الخبز

"الرّخال " مع السمن العربي أو كما يُسميه البعض بالسمن البقري .. الكل كان يتساءل عن عبدالرحمن ، كأنه واحداً منا .. ونتلفّت يمنة ويسرة ، نترقّبه ، نُطوّفه باعيننا .. كُلٌ يُمد بصره إلى حد الشّوف وقدر ما امتدت إليه بصره

فقال ابي :

- شوفوا كيف " عبدالرحمن " ذكي ، يفهم كل شيء .. إنه ليس مجنونا ولا مخبولاً ولا هو بمهبول .. لكني أظن وارج وان لا يخيب ظنّي فيه ، أن به شأن من هوس أو هستريا ، أودت به إلى هذا الحال .. وعلى المرءِ أن يعتبر نفسه مكانه ليعرف مدى نعمة الحياة .! ولو كان غبياً أو معتوهاً أو حتى مجنوناً ، فهل سوف يفطن إلى ما آمَرُه به ..؟! فها هو قد التزمَ ونفّذ الاشتراط .. وعلمَ انكِ ـ مُشيراً إلى أمي ـ غير راغبة فيه .!؟ أهذا فعل مجنون .!! كلا ، قالها ثلاثاً . فردت أمي ، قُم وفكّ كل شيء سوّاه عبد الرحمن ، حتى لا يعود إليه مرة أخرى ..؟! نهض أبي وتوجّه إلى المكان الذي خصصه عبد الرحمن لنفسه ، فكّ الحبْل الذي الذي ربط به بُرديْ عريشه ، كباب ينتصف العريش ، فهاله منظر جُثة مُمددة ، اتضحت فيما بعد أنها جثة عبد الرحمن ، نائم ومُتوسّد يمينه ، وكان وجهه قد وضعه جهة الكعبة ، ورأسه قُبالة الباب ، ورجليه فوق بعض ويده اليمنى اسفل راسه ، متوسدها والاخرى حطها فوق منكبيه مبسوطة ، بدا على أبي التوتر والقلق والضيق .. انتابته موجة خوف .. نادى على أمي على عجل وبصوتٍ مرتفع .. فركضنا ناحيته .. كانت جثة عبد الرحمن ممددة .. ودمعتا عينيه سقطتا من مُقلتيْهما وبقيتا مُتوقفتين على وجنتيه ، كي نشهد عليهما ..وجزء من أسنانه المتراكبة فوق بعض ، ظاهرة كإبتسامة يُوجهها إلى كل ناظر إليه .. شهدنا تغسيله وتكفينه ثم وُريَ جسده التراب .. كما شهدَ رجال آخرين نعرفهم وغيرهم لأول مرة أراهم بعيني ، امتدّت سالفته على كل لسان في حارتنا ، يتساءلون من أؤلئك النفر الذين حضروا جنازة عبدالرحمن .. ولم يستطيع أحداً الجزم او تحديد جواباً صريحاً شافياً ، فقد أكّدوا عدم معرفتهم بهولاء الذين حضروا جنازته ، بعضهم قال اهله وبعضهم قال ملائكة تخفّت في صُور آدمية .. وعلى منوالها ، أثيرتْ تساؤلات عدة : من هُم الرجال ولماذا لم يقصدون البيت الكبير لمعرفة سبب الوفاة ، هذا لو كانوا اهله.؟ أما الذين ذهبوا إلى كون أؤلئك النّفر هم من الملائكة ، فقد قالوا لماذا كانت ملابسهم مختلفة ، لم تكن واحدة كلون البياض مثلاً ؟! وبقيت التساؤلات محل اخذ ورد ، ولا يزال السؤال قائماً: من أين جاؤوا ... ؟! وبهكذا أسئلة حيّرت الجمع الذين حضروا جنازته وتغسيله وأرجعوا إلى تيسيرها كون عبدالرحمن إنسان ذا صفة طيبة ، إنسانٌ على مُستوى من الامانة ، من كفله لم يشكوه ابداً ، ولذا كانت نزعته الاخيرة سارتْ خفيفة طيّعة ، مطمئنّة راضية بعيشها وبنهايتها ، وبعد أن تمّ وَضْعه في مثواه الأخير ، وتفرّق الجمْع وسَار كل منهم ، حيث وجهته وبُغْيته ، واخذ بعضهم يلتفّ حول ابي يُعزّونه فيه ، تخفق قلوبهم وتنسكب بعضها دمعة فيه لأنه توفّى ولم يُعرف من هو ، ومن يكون .؟! بعد مغادرة المعزين المقبرة ، غدت أمكنتها ساكنة هادئة ، قَفْراء إلا من أصوات العصافير وبعض اعواد الغاف تلطم بعضها بفعل النسيم ، وأبي ساكتٌ ، حزينٌ على موت عبدالرحمن ، كما كان هذا الحزن خيّم على أمي ، وغدا صدرها في ضيقٍ ، حزينةً على ما ارتكبته من خطإٍ او ذنب في حق عبد الرحمن وبقتْ في شدّة حُزن ،وضيْقٍ ، أكثر مِمّا كان عليه أبي . تمت 10/06/2011
 

المرتاح

New Member
ارى ان الاخوة هنا ، يريدوا ان يمروا لا ان يتذوقوا ويستمتعوا بالقراءة .. وبدالي ان اقطرّ لهم في كل جزء لا يزيد من خمسة اسطر .. فكل عضو يقول ، اكمل واكمل .. وبعدين يهرب ، لا اجده قد قرأ القصة نهائياً ، إن تريدوني اكتب لكم اعضاء وإدارةً ، يجب نهاية كل قصة ان تحضى بقراءة ، ليس شرطاً عليك ان تتلمسوا عبارات لغوية / او تتحدثوا بلغة عربية .. ولكن بلغة عفوية حتى بالمحلية ، ( عشان احس فيكم انكم متابعين صح ) اريد كل قاري يبرز ما قرأه وما عبّر عنه فكره ، وما اعجبه ومالذي لم يُعجبه وماذا كاتنت يتوقع النهاية ، او يتمنى من الكاتب ـ مثلاـ وهكذا دواليك . بالطبع هي آراء تخدمني في المقام الاول ، ولذا سأهتم بها .. اعدكم بذلك .؟ لكم خالص الامنيات ( بالطبع عندي قصة ، البدوية التي علّمتني الحُب ) ولكن لن انزلها هنا .. اولاً ان المنتدى لا يبعث لي برسائل المشتركين / المشاركين في الصفحة التي كتبت فيها .. وبالتالي الكل نيام . حتى كلمة توجيهية ، معدومة إلا في بدايتها ، مشرف ومشرفتين تقريباً وثلاثة من الاعضاء ، فتح الله لهم باب العلم والمعرفة . وشكراً
 

مهوس

New Member
بيتي القديم ... في خاطري باقي نديم

يما لعبت فيه ومشيت ... وبالعز في أرضه وطيت

كلي براءة ف الدروب ... أتذكره وفيني يجوب

اتذكره ذاك المكان ... اذكره ذاك الزمان

لـــــيته يعود ... ليته يعود ... لــــيته يعود

جميل هذه المعاني والجمل المعبرة إلتي تحمل حروفها صور جميلة تشدك وتبهرك بتصوير الدقيق للكاتب شكراً أخي العزيز على تشريفك لي بالمشاركة وارجوا لك التوفيق دائماً

وفي أنتظار بقية القصة

مع محبتي "مــــــهوس"



 
أعلى